عرض مشاركة واحدة
قديم 04-05-2014, 03:56 AM   رقم المشاركة : 8
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏37‏)‏
‏{‏فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ‏}‏
يخبر ربنا تعالى أنه تقبلها من أمها نذيرة، وأنه أنبتها نباتاً حسناً أي جعلها شكلاً مليحاً ومنظراً بهيجاً، ويسر لها أسباب القبول، وقرنها بالصالحين من عباده، تتعلم منهم العلم والخير والدين، فلهذا قال‏:‏ ‏{‏وكفَّلها زكريا‏}‏ بتشديد الفاء ونصب زكريا على المفعولية أي جعله كافلاً لها، قال ابن إسحاق‏:‏ وما ذلك إلا أنها كانت يتيمة، وذكر غيره أن بني إسرائيل أصابتهم سنة جدب فكفل زكريا مريم لذلك ولا منافاة بين القولين واللّه أعلم، وإنما قدر اللّه كون زكريا كفلها لسعادتها، لتقتبس منه علماً جماً وعملاً صالحا، ولأنه كان زوج خالتها على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير وغيرهما، وقيل‏:‏ زوج أختها كما ورد في الصحيح‏:‏ ‏:‏‏(‏فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة‏)‏ وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق ذلك أيضاً توسعاً، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها، وقد ثبت في الصحيح أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قضى في عمارة بنت حمزة أن تكون في حضانة خالتها امرأة جعفر بن ابي طالب وقال‏:‏ ‏(‏الخالة بمنزلة الأم‏)‏ ثم أخبر تعالى عن سيادتها وجلادتها في محل عبادتها فقال‏:‏ ‏{‏كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً‏}
‏، قال مجاهد وعكرمة والسدي‏:‏ يعني وجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، وعن مجاهد‏:‏ ‏{‏وجد عندها رزقاً‏}‏ أي علماً والأول أصح وفيه دلالة على كرامات الأولياء، وفي السنة لهذا نظائر كثيرة، فإذا رأى زكريا هذا هندها ‏{‏قال يا مريم أى لك هذا‏}‏ أي يقول من أين لك هذا‏؟‏ ‏{‏قالت هو من عند اللّه إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏‏.‏

عن جابر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم اقام أياماً لم يطعم طعاماً، حتى شقّ عليه، فطاف في منازل أزواجه فلم يجد عند واحدة منهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال‏:‏ ‏(‏يا بنية هل عندك شيء آكله فإني جائع‏؟‏ ‏)‏قالت‏:‏ لا واللّه - بأبي أنت وأمي - فلما خرج من عندها بعث إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم، فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وقالت‏:‏ واللّه لأوثرن بهذا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جمعاً محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسناً - أو حسيناً - إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فرجع إليها، فقالت‏:‏ بأبي أن وأمي قد أتى اللّه بشيء فخبأتيه لك، قال‏:‏ ‏(‏هلمي يا بنية‏)‏، قالت‏:‏ فأتيته بالجفنة فكشفت عنها فإذا هي مملوءة خبزاً ولحماً، فلما نظرت إليها بهتُ وعرفت أنها بركة من اللّه، فحمدت اللّه وصليت على نبيّه، وقدمته إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما رآه حمد اللّه، وقال‏:‏ ‏(‏من أين لك هذا يا بنية‏)‏ قالت‏:‏ يا أبت ‏{‏هو من عند اللّه إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب‏}‏ فحمد اللّه، وقال‏:‏ ‏(‏الحمد للّه الذي جعلك يا بنية شبيهة بسيدة نساء بني إسرائيل فإنها كانت إذا رزقها اللّه شيئاً وسئلت عنه قالت هو من عند اللّه، إن اللّه يرزق من يشاء بغير حساب، فبعث رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وأكل علي وفاطمة وحسن وحسين، وجميع أزواج النبي صلى اللّه عليه وسلم، وأهل بيته حتى شبعوا جميعاً‏.‏ قالت‏:‏ وبقيت الجفنة كما هي‏.‏ قالت‏:‏ فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران، وجعل اللّه فيها بركة وخيراً كثيراً ‏"‏رواه الحافظ أبو يعلى عن جابر بن عبد اللّه‏"‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏38 ‏:‏ 41‏)
‏‏{‏هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ‏.‏ فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين ‏.‏ قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال كذلك الله يفعل ما يشاء ‏.‏ قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشي والإبكار ‏}‏
لما رأى زكريا عليه السلام أن اللّه يرزق مريم عليها السلام فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع حينئذ في الولد، وإن كان شيخاً كبيراً قد وهن منه العظم، واشتعل الرأس شيباً، وكانت امرأته مع ذلك كبيرة وعاقراً، ولكنه مع هذا كله سأل ربه وناداه نداء خفياً، وقال‏:‏ ‏{‏رب هب لي من لدنك‏}‏ أي من عندك ‏{‏ذرية طيبة‏}‏ أي ولداً صالحاً ‏{‏إنك سميع الدعاء‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب‏}‏ أي خاطبته الملائكة شفاهاً خطاباً أسمعته، وهو قائم يصلي في محراب عبادته، ومحل خلوته ومجلس مناجاته وصلاته، ثم أخبر تعالى عما بشرته به الملائكة ‏{‏أن اللّه يبشرك بيحيى‏}‏ أي يولد يوجد لك من صلبك اسمه يحيى‏.‏ قال قتادة‏:‏ إنما سمي يحيى لأن اللّه أحياه بالإيمان، وقوله ‏{‏مصدقاً بكلمة من اللّه‏}‏ روى العوفي عن ابن عباس في هذه الآية‏:‏ ‏{‏مصدقاً بكلمة من اللّه‏}‏ أي بعيسى بن مريم، وقال الربيع بن أنس‏:‏ هو أول من صدق بعيسى بن مريم، وقال ابن جريج‏:‏ قال ابن عباس‏:‏ كان يحيى وعيسى ابني خالى، وكانت أم يحيى تقول لمريم‏:‏ إني أجد الذي في بطني يسجد للذي في بطنك فذلك تصديقه له في بطن أمه، وهو أول من صدق عيسى وكلمة اللّه عيسى، وهو أكبر من عيسى عليه السلام وهكذا قال السدي أيضاً‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وسيداً‏}‏ قال أبو العالية حليماً، وقال قتادة‏:‏ سيداً في العلم والعبادة، وقال ابن عباس‏:‏ السيد الحليم التقي، وقال ابن المسيب‏:‏ هو الفقيه العالم، وقال عطية‏:‏ السيد في خُلُقه ودينه، وقال ابن زيد‏:‏ هو الشريف، وقال مجاهد‏:‏ هو الكريم على اللّه عز وجل‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحصوراً‏}‏ روي عن ابن مسعود وابن عباس ومجاهد أنهم قالوا‏:‏ الذي لا يأتي النساء، وعن أبي العالية والربيع بن أنس‏:‏ هو الذي لا يولد له ولا ماء له، وعن عبد اللّه بن عمروا بن العاص يقول‏:‏ ليس أحد من خلق اللّه لا يلقاه بذنب غير يحيى بن زكريا، ثم قرأ سعيد ‏{‏وسيداً وحصوراً‏}‏ ثم أخذ شيئاً من الأرض فقال‏:‏ الحصور من كان ذكره مثل ذا‏.‏
وقد قال‏(‏ القاضي عياض‏)‏ في كتابه ‏(‏الشفاء‏)‏ اعلم أن ثناء اللّه تعالى على يحيى أنه كان حصورا ليس كما قاله بعضهم إنه كان هيوباً، أو لا ذَكَر له، بل قد أنكر هذا حذَاق المفسرين، ونقاد العلماء، وقالوا‏:‏ هذه نقيصة وعيب لا يليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب أي لا يأتيها كأنه حصور عنها، وقيل‏:‏ مانعاً نفسه من الشهوات، وقيل‏:‏ ليست له شهوة في النساء، وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم يمنعها، إما بمجاهدة كعيسى، أو بكفاية من اللّه عزّ وجلّ كيحيى عليه السلام، ثم هي في حق من قدر عليها - وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه - درجة عليا، وهي درجة نبينا صلى اللّه عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن، وقيامه عليهن وإكسابه لهن وهدايته إياهن، بل قد صرح أنها ليست من حظوط دنياه هو وإن كانت من حظوظ دنيا غيره فقال‏:‏
‏(‏حبب إليّ من دنياكم‏)‏[1]‏"‏انظر الشفاء للقاضي عياض فهو كتاب جليل ونفيس‏"هذا لفظه والمقصود أنه مدح ليحيى بأنه حصور ليس أنه لا يأتي النساء، بل معناه كما قاله هو وغيره‏:‏ أنه معصوم من الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهن وإيلادهن، بل قد يفهم وجود النسل له من دعاء زكريا المتقدم حيث قال‏:‏ ‏{‏هب لي من لدنك ذرية طيبة‏}‏ كأنه قال ولداً له ذرية ونسل وعقب، واللّه سبحانه وتعالى أعلم‏.‏
قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونبياً من الصالحين‏}‏ هذه بشارة ثانية بنبوة يحيى بعد البشارة بولادته، وهي أعلى من الأولى، كقوله لأم موسى‏:
{‏إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين‏}فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر، ‏{‏قال رب أنى يكون لي غلام وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر قال‏}‏‏:‏ أي الملك، ‏{‏كذلك اللّه يفعل ما يشاء‏}‏ أي هكذا أمر اللّه عظيم لا يعجزه شيء ولا يتعاظمه أمر، ‏{‏قال رب اجعل لي آية‏}‏ أي علامة استدل بها على وجود الولد مني، ‏{‏قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلى رمزاً‏}‏ أي إشارة لا تستطيع النطق مع أنك سوي صحيح، كما في قوله‏:‏ ‏{‏ثلاث ليال سوياً‏}
ثم أمره بكثرة الذكر والتكبير والتسبيح في هذه الحال، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشي والإبكار‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏42 ‏:‏ 44‏)‏
‏{‏ وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ‏.‏ يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين ‏.‏ ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون ‏}
هذا إخبار من اللّه تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم عليها السلام، عن أمر اللّه لهم بذلك أن اللّه قد اصطفاها، أي اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها، وشرفها وطهارتها من الأكدار والوساوس، واصطفاها ثانياً مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين، عن رسول اللّه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏:‏(‏خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده، ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط‏)‏ ‏"‏رواه عبد الرزاق عن أبي هريرة وأخرجه مسلم بنحوه‏"‏وعن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خوليد‏)‏"‏رواه الشيخان عن علي بن أبي طالب‏"‏وعن أنَس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏خير نساء العالمين أربع، مريم بن عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت رسول اللّه‏)‏
‏"‏رواه ابن بمردويه عن أنَس بن مالك‏"‏
وفي البخاري‏:‏
‏(‏كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‏)ثم أخبر تعالى عن الملائكة أنهم أمروها بكثرة العبادة والخشوع الركوع والسجود، والدأب في العمل لما يريد اللّه بها من الأمر الذي قدره اللّه وقضاه، مما فيه محنة لها ورفعة في الدراين، بما أظهر اللّه فيها من قدرته العظيمة، حيث خلق منها ولداً من غير أب، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا مريم أقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين‏}‏ أما القنوت فهو الطاعة في خشوع، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وله من في السموات والأرض كل له قانتون‏}‏
وقال مجاهد‏:‏ كانت مريم عليها السلام تقوم حتى تتورم كعباها، والقنوت هو طول الركوع في الصلاة، يعني امتثالاً لقول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يا مريم اقنتي لربك‏}‏ قال الحسن‏:‏ يعني اعبدي لربك ‏{‏واسجدي واركعي مع الراكعين‏}‏ أي كوني منهم، ثم قال لرسوله بعدما أطلعه على جلية الأمر‏:‏ ‏{‏ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك‏}‏ أي نقصه عليك، ‏{‏وما كنت لديهم‏}‏ أي ما كنا عندهم يا محمد، فتخبرهم عن معاينة عما جرى، بل أطلعك اللّه على ذلك كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم، حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها وذلك رغبتهم في الأجر‏.‏
قال ابن جرير عن عكرمة‏:‏ ثم خرجت أم مريم بها، يعني بمريم في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى عليهما السلام - وهم يومئذ يلون من بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة - فقالت لهم ‏:‏ دونكم هذه النذيرة فإني حررتها، وهي أنثى ولا يدخل الكنيسة حائض، وأنا لا أردها إلى بيتي، فقالوا‏:‏ هذه ابنة إمامنا - وكان عمران يؤمهم في الصلاة - وصاحب قرباننا فقال زكريا‏:‏ ادفعوها لي فإن خالتها تحتي، فقالوا‏:‏ لا تطيب أنفسنا، هي ابنة إمامنا، فذلك حين اقتروعوا عليها بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة، فقرعهم زكريا فكفلها‏.‏ وقد ذكر عكرمة والسدي وقتادة أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن واقترعوا هنالك إلى ان يلقوا أقلامهم فأيهم يثبت في جرية الماء فهو كافلها، فألقوا أقالامهم فاحتملها الماء إلا قلم زكريا فإنه ثبت ويقال‏:‏ إنه ذهب صاعداً يشق جرية الماء، وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم وعالمهم وإمامهم ونبيّهم صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى سائر النبيين‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس