عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2014, 06:21 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏1 ‏:‏4‏)‏
‏{‏الم ‏.‏ الله لا إله إلا هو الحي القيوم ‏.‏ نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل ‏.‏ من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام ‏}‏
قد ذكرنا الحديث الوارد في ان اسم اللّه الأعظم في هاتين الآيتين ‏{‏الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏، ‏{‏الم الله لا إله إلا هو الحي القيوم‏}‏ في تفسير
آية الكرسي‏.‏
وقد تقدم الكلام على قوله‏:‏ ‏{‏الم‏}‏ في أول
سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، وتقدم الكلام على قوله‏:‏ ‏{‏الله لا إلاه إلا هو الحي القيوم‏}‏ في تفسير
آية الكرسي‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏نزل عليك الكتاب بالحق‏}‏ يعني نزل عليك القرآن يا محمد بالحق، أي لا شك فيه ولا ريب بل هو منزل من عند اللّه، أنزله بعلمه والملائكة يشهدون، وكفى باللّه شهيداً‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏مصدقا لما بين يديه‏}‏ أي من الكتب المنزلة قبله من السماء على عباد اللّه والأنبياء، فهي تصدقه بما أخبرت به وبشرت في قديم الزمان، وهو يصدقها لأنه طابق ما أخبرت به وبشرت من الوعد من اللّه بإرسال محمد صلى اللّه عليه وسلم وإنزال القرآن العظيم عليه، وقوله‏:‏ ‏{‏وأنزل التوراة‏}‏ أي على موسى بن عمران، ‏{‏والإنجيل‏}‏ أي على عيسى بن مريم عليهما السلام، ‏{‏من قبل‏}‏ أي من قبل هذا القرآن ‏{‏هدى للناس‏}‏‏:‏ أي في زمانهما، ‏{‏وأنزل الفرقان‏}‏‏:‏ وهو الفارق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والغي والرشاد، بما يذكره اللّه تعالى من الحجج والبينات والدلائل والوضحات، والبراهين القاطعات، ويبينه ويوضحه ويفسره ويقرره ويرشد إليه وينبه عليه من ذلك‏.‏ وقال قتادة والربيع‏:‏ الفرقان ههنا القرآن، واختار ابن جرير أنه مصدر ههنا لتقدم ذكر القرآن في قوله‏:‏ ‏{‏نزل عليك الكتاب بالحق‏}‏ وهو القرآن‏.‏ وأما ما روي عن أبي صالح‏:‏ أن المراد بالفرقان ههنا التوراة، فضعيف أيضاً، لتقدم ذكر التوراة، واللّه أعلم‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الذين كفروا بآيات اللّه‏}‏ أي جحدوا بها وأنكروها وردوها بالباطل، ‏{‏لهم عذاب شديد‏}‏ أي يوم القيامة، ‏{‏واللّه عزيز‏}‏ أي منيع الجناب عظيم السلطان، ‏{‏ذو انتقام‏}‏‏:‏ أي ممن كذب بآياته وخالف رسله الكرام وأنبياءه العظام‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏5 ‏:‏ 6‏)‏
{‏إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ‏.‏ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ‏}‏
يخبر تعالى أنه يعلم غيب السماء والأرض لا يخفى عليه شيء من ذلك، ‏{‏هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء‏}‏ أي يخلقكم في الأرحام كما يشاء من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وشقي وسعيد، ‏{‏لا إله إلا هو العزيز الحكيم‏}‏ أي هو الذي خلق وهو المستحق للإلهية، وحده لا شريك له وله العزة التي لا ترام، والحكمة والأحكام، وهذه الآية فيها تعريض بل تصريح بأن عيسى بن مريم عبد مخلوق كما خلق اللّه سائر البشر، لأن اللّه صوره في الرحم وخلقه كما يشاء، فكيف يكون إلهاً كما زعمته النصارى عليهم لعائن اللّه‏!‏‏!‏ وقد تقلب في الأحشاء وتنقل من حال إلى حال‏!‏‏؟‏ كما قال تعالى‏:‏{‏يخلقكم في بطون امهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث‏}‏‏.‏
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏7 ‏:‏ 9‏)‏
هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب ‏.‏ ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ‏.‏ ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد ‏}‏
يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات ‏{‏هنَّ أم الكتاب‏}‏ أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد، ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكَّم محكمه على متشابهه عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏هن أم الكتاب‏}‏ أي أصله الذي يرجع إليه عند الإشتباه ‏{‏وأخر متشابهات‏}‏ أي تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئاً آخر من حيث اللفظُ والتركيبُ لا من حيث المراد، وقد اختلفوا في المحكم والمتشابه، فقال ابن عباس‏:‏ المحكمات ناسخة وحلاله وحرامه وحدوده وأحكامه وما يؤمر به ويعمل به‏.‏ وقال يحيى بن يعمر‏:‏ الفرائض والأمر والنهي والحلال والحرام، وقال سعيد بن جبير‏:‏ ‏{‏هنّ أم الكتاب‏}‏ لأنهن مكتوبات في جميع الكتب، وقال مقاتل‏:‏ لأنه ليس من أهل دين إلا يرضى بهن‏.‏ وقيل في المتشابهات‏:‏ المنسوخة والمقدم والمؤخر والأمثال فيه والأقسام وما يؤمن به ولا يعمل به، روي عن ابن عباس، وقيل‏:‏ هي الحروف المقطعة في أوائل السور قاله مقاتل بن حيان، وعن مجاهد‏:‏ المتشابهات يصدق بعضها بعضاً وهذا إنما هو في تفسير
قوله‏:‏ ‏{‏كتابا متشابهاً مثاني‏}‏ هناك ذكروا أن المتشابه هو الكلام الذي يكون في سياق واحد، والمثاني هو الكلام في شيئين متقابلين كصفة الجنة وصفة النار، وذكر حال الأبرار وحال الفجّار ونحو ذلك، وأما ها هنا فالمتشابه هو الذي يقابل المحكم، وأحسن ما قيل فيه هو الذي قدمنا، وهو الذي نص عليه ابن يسار رحمه اللّه حيث قال‏:‏ ‏{‏منه آيات محكمات‏}‏ فهن حجة الرب وعصمة العباد ودفع الخصوم الباطل، ليس لهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه، قال‏:‏ والمتشابهات في الصدق ليس لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى اللّه فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام ألا يصرفن إلى الباطل ولا يحرفن عن الحق‏.‏
ولهذا قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فأما الذين في قلوبهم زيغ‏}‏ أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل ‏{‏فيتبعون ما تشابه منه‏}‏ أي إنما يأخذون منه المتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه‏.‏ فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ابتغاء الفتنة‏}‏ أي الإضلال لأتباعهم، إيهاماً لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهو حجة عليهم لا لهم، كما لو احتج النصارى بأن القرآن قد نطق بأن عيسى روح اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وتركوا الإحجاج بقول‏:‏
‏{‏إن هو إلا عبدُ أنعمنا عليه‏}‏، وبقول‏:‏ ‏{‏إن مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون‏}
، وغير ذلك من الآيات المحكمة المصرحة بأنه خَلْقٌ من مخلوقات اللّه، وعبد ورسول من رسل اللّه‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وابتغاء تأويله‏}‏ أي تحريفه على ما يريدون، وقال مقاتل والسدي‏:‏ يبتغون أن يعلمون ما يكون وما عواقب الأشياء من القرآن، وقد
قال الإمام أحمد عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏‏{‏هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏أولو الألباب‏}‏ فقال‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى اللّه فاحذروهم‏)‏‏.‏ وقد روى هذا الحديث البخاري عند تفسير
هذه الآية ومسلم في كتاب القدر من صحيحه وأبو داود في السنة من سننه ثلاثتهم عن القاسم بن محمد
عن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ تلا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية‏:‏ ‏{‏هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وما يذكر إلا أولو الألباب‏}‏ قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمَّى اللّه فاحذروهم‏)‏‏.‏
وروى أحمد عن أبي أمامة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏هم الخوارج‏)‏، وفي قوله تعالى‏:
‏{‏يوم تبيض وجوه وتسود وجوه‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏هم الخوارج‏)‏، وهذا الحديث أقل أقسامه أن يكون موقوفاً من كلام الصحابي، ومعناه صحيح فإن أول بدعة وقعت في الإسلام فتنة الخوارج، وكان مبدؤهم بسبب الدنيا حين قسم النبي صلى اللّه عليه وسلم غنائم حنين فكأنهم رأوا - في عقولهم الفاسدة - أنه لم يعدل في القسمة ففاجأوه بهذه المقالة، فقال قائلهم وهو ذو الخويصرة - بقر اللّه خاصرته - إعدل فإنك لم تعدل، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لقد خبت وخسرت‏.‏ إن لم أكن أعدل، أيأمنني على أهل الأرض ولا تأمنوني‏)‏‏!‏ فلما قفل الرجل استأذن عمر بن الخطاب في قتله، فقال‏:‏ ‏(‏دعه فإنه يخرج من ضئضىء هذا - أي من جنسه - قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وقراءته مع قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم‏)‏‏.‏ ثم كان ظهورهم أيام علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه وقتلهم بالنهروان، ثم تشعبت منهم شعوب وقبائل وآراء وأهواء ومقالات ونِحل كثيرة منتشرة، ثم انبعثت القدرية، ثم المعتزلة، ثم الجهمية، وغير ذلك من البدع التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى اللّه عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏(‏وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة‏)‏، قالو‏:‏ ومن يا رسول اللّه‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏من كان على ما أنا عليه وأصحابي‏)‏
أخرجه الحاكم في مستدركه بهذه الزيادة‏.‏
وروى الحافظ أبو يعلى،
عن حذيفة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أنه ذكر‏:‏ ‏(‏إنّ في أمتي قوما يقرؤون القرآن ينثرونه نثر الدَّقل أردأ التمر يتأولونه على غير تأويله‏)‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يعلم تأويله إلا اللّه‏}‏ اختلف القراء في الوقف ههنا، فقيل على الجلالة كما تقدم عن ابن عباس رضي اللّه عنه أنه قال‏:‏ التفسير على أربعة أنحاء، فتفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعرفه العرب من لغاتها، وتفسير يعلمه الراسخون في العلم، وتفسير لا يعلمه إلا اللّه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏: ‏(‏إن القرآن لم ينزل ليكذب بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه منه فآمنوا به‏)‏،
وقال عبد الرزاق‏:‏ كان ابن عباس يقرأ‏:‏ وما يعلم تأويله إلا الله ويقول الراسخون آمنا به وكذا رواه ابن جرير عن عمر بن عبد العزيز ومالك ابن أنَس أنهم يؤمنون به ولا يعلمون تأويله، وحكى ابن جرير أن في قراءة عبد اللّه بن مسعود‏:‏ إنْ تأويله إلاا عند اللّه والراسخون في العلم يقولن آمنا به واختار ابن جرير هذا القول‏.‏
ومنهم من يقف على قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والراسخون في العلم‏}‏ وتبعهم كثير من المفسرين وأهل الأصول، وقالوا الخطاب بما لا يفهم بعيد، وقد روى مجاهد عن ابن عباس أنه قال‏:‏ أنا من الراسخين الذي يعلمون تأويله، وقال مجاهد‏:‏ والراسخون في العلم يعلمون تأويله ويقولون آمنا به، وكذا قال الربيع بن أنَس، وقال محمد بن جعفر بن الزبير‏:‏ وما يعلم تأويله الذي أراد ما أراد إلا اللّه والراسخون في العلم يقولون آمنا به، ثم ردوا تأويل المتشابهات على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويل واحد، فاتسق بقولهم الكتاب وصدق بعضه بعضاً فنفذت الحجة، وظهر به العذر وزاح به الباطل ودفع به الكفر،
وفي الحديث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا لابن عباس فقال‏:‏ ‏(‏اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل‏)‏‏.‏ ومن العلماء من فصل في هذا المقام وقال‏:‏ التأويل يطلق ويراد به في لقرآن معنيان، أحدهما‏:‏ التأويل بمعنى حقيقة الشيء وما يؤول أمره إليه؛ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل‏}‏، وقوله‏: ‏{‏هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله‏}‏ أي حقيقة ما أخبروا به من أمر المعاد‏.‏ فإن أريد بالتأويل هذا فالوقف على الجلالة؛ لأن حقائق الأمور وكنهها لا يعلمه على الجلية إلا اللّه عزّ وجلّ؛ ويكون قوله ‏{‏والراسخون في العلم‏}‏ مبتدأ و‏{‏يقولون آمنا به‏}‏ خبره‏.‏ وأما إن أريد بالتأويل المعنى الآخر‏:‏ وهو التفسير والبيان والتعبير عن الشيء كقوله‏:‏ ‏{‏نبئنا بتأويله‏}‏ أي بتفسيره، فإن أريد به هذا المعنى فالوقف على ‏{‏والراسخون في العلم‏}‏ لأنهم يعلون ويفهمون ما خوطبوا به بهذا الاعتبار، وإن لم يحيطوا علما بحقائق الأشياء على كنه ما هي عليه، وعلى هذا فيكون قوله‏:‏ ‏{‏يقولون آمنا به‏}‏ حالاً منهم، وساغ هذا وإن يكون من المعطوف دون المعطوف عليه كقوله‏:‏ {‏للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم - إلى قوله - يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا‏} الآية، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجاء ربك والملك صفاً صفاً‏}
أي وجاء الملائكة صفوفاً صفوفاً‏.‏
وقوله تعالى - إخباراً عنهم - أنهم يقولون آمنا به أي المتاشبه ‏{‏كلّ من عند ربنا‏}‏ أي الجميع من المحكم والمتشابه حق وصدق، وكل واحد منهما يصدق الآخر ويشهد له، لأن الجميع من عند اللّه وليس شيء من عند اللّه بمختلف ولا متضاد، كقوله‏:
‏{‏أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير اللّه لوجدوا فيه اختلافاً كبيرا‏}
، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وما يذكر إلا أولو الألباب‏}‏ أي إنما يفهم ويعقل ويتدبر المعاني على وجهها أولو العقول السليمة والفهوم المستقيمة، وقد قال ابن أبي حاتم بسنده‏:‏
حدَّثنا عبد اللّه بن يزيد - وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم أنَسا وأبا أمامة وأبا الدرداء - أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سئل عن الراسخين في العلم فقال‏:‏ ‏(‏من برت يمينه، وصدق لسانه، واستقام قلبه، ومن عف بطنه وفرجه، فذلك من الراسخون في العلم‏)‏، وقال الإمام أحمد بسنده‏:‏ سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قوماً يتدارؤن، فقال‏:‏ ‏(‏إنما هلك من كان قبلكم بهذا؛ ضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض، وإنما أنزل كتاب اللّه ليصدق بعضه بعضاً فلا تكذبوا بعضه ببعض‏.‏ فما علمتم منه فقولوا به، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه‏)‏‏.‏
وعن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏نزل القرآن على سبعة أحرف، والمراء في القرآن كفر - قالها ثلاثا - ما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه جل جلاله‏)‏
‏"‏رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده‏"‏وقال ابن المنذر في تفسيره عن نافع بن يزيد قال‏:‏ الراسخون في العلم المتواضعون للّه المتذللون للّه في مرضاته، لا يتعاظمون على من فوقهم ولا يحقرون من دونهم‏.‏ ثم قال تعالى عنهم مخبراً أنهم دعوا ربهم قائلين‏:‏ ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا‏}‏ أي لا تُمِلها عن الهدى بعد إذ أقمتها عليه، ولا تجعلنا كالذين في قلوبهم زيغ، الذين يتبعون ما تشابه من القرآن، ولكن ثبتنا على صراطك المستقيم، ودينك القويم‏.‏ ‏{‏وهب لنا من لدنك رحمة‏}‏ تثبت بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتزيدنا بها إيمانا وإيقاناً ‏{‏إنك أنت الوهاب‏} عن أم سلمة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان يقول‏:‏ ‏(‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏، ثم قرأ‏:‏ ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‏}‏ ‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن أم سلمة‏"‏وعن أم سلمة، عن أسماء بنت يزيد بن السكن، سمعتها تحدّث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يكثر من دعائه‏:‏ ‏(‏اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏، قالت، قلت يا رسول اللّه وإن القلب ليتقلب‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏نعم، ما خلق الله من بني آدم من بشر إلا أن قلبه بين أصبعين من أصابع اللّه عزّ وجلّ، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه‏)‏ ‏"‏رواه ابن مردويه وابن جرير‏"‏‏.
‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه ألا تعلمني دعوة أدعو به لنفسي، قال‏:‏ ‏(‏بلى، قولي‏:‏ اللهم رب محمد النبي اغفر لي ذنبي وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن‏)‏‏.‏
وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت‏:‏ كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كثيرا ما يدعو‏:‏ ‏(‏يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك‏)‏ قلت‏:‏ يا رسول اللّه ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء، فقال‏:‏ ‏(‏ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه‏.‏ أما تسمعي قوله‏:‏ ‏{‏ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب‏}‏‏)‏
"‏رواه ابن مردويه، قال ابن كثير‏:‏ وأصله في الصحيحين‏"‏وعن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي اللّه عنها‏:‏ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال‏:‏ ‏(‏لا إله إلا أنت سبحانك أستغفرك لذنبي، واسألك رحمتك، اللهم زدني علماً، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة‏.‏ إنك أنت الوهاب‏)‏ ‏
"‏رواه أبو داود والنسائي‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه‏}‏ أي يقولون من دعائهم إنك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم، وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه، وتجزي كلاً بعمله، وما كان عليه في الدنيا من خير وشر‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس