عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2014, 04:32 AM   رقم المشاركة : 59
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏261‏)‏
‏{‏ مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ‏}

هذا مثل ضربه اللّه تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فقال‏:‏ ‏{‏مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه‏}‏ يعني في طاعة الله، وقال مكحول يعني به الإنفاق في الجهاد من رباط الخيل، وإعداد السلاح وغير ذلك، وقال ابن عباس‏:‏ الجهاد والحج يضعَّف الدرهم فيهما إلى سبعمائة ضعف ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة‏}‏، وهذا المثل أبلغ في النفوس من ذكر عدد السبعمائة، فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها اللّه عزّ وجلّ لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الارض الطيبة، وقد وردت السنة بتضعيف الحسنة إلى سبعمائة ضعف‏.‏
كما
روي الإمام أحمد عن عياض بن غطيف قال‏:‏ دخلنا على ابي عبيدة نعوده من شكوى أصابه بجنبه، وأمرأته قاعدة عند رأسه قلنا‏:‏ كيف بات أبو عبيدة‏؟‏ قالت‏:‏ واللّه لقد بات بأجر، قال أبو عبيدة‏:‏ ما بت بأجر، وكان مقبلاً بوجهه على الحائط فأقبل على القوم بوجهه، وقال ألا تسألوني عما قلت‏!‏ قالوا‏:‏ ما أعجبنا ما قلت فنسألك عنه، قال‏:‏ سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏من أنفق نفقة فاضلة في سبيل اللّه فسبعمائة، ومن أنفق على نفسه وأهله أو عاد مريضاً أو أماط أذى فالحسنة بعشر أمثالها، والصوم جنة مالم يخرقها، ومن ابتلاه اللّه عزّ وجلّ ببلاء في جسده فهو له حِطَّة‏)‏
أي كفارة لذنوبه‏.‏
حديث آخر‏:‏
عن ابن مسعود أن رجلاُ تصدق بناقة مخطومة في سبيل اللّه فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لتأتين يوم القيامة بسبعمائة ناقة مخطومة‏)‏ ‏"‏رواه أحمد وأخرجه مسلم بلفظ‏:‏ جاء رجل بناقة مخطومة فقال‏:‏ يا رسول اللّه هذه في سبيل اللّه، فقال‏:‏ ‏(‏لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة‏)‏‏"‏‏.‏حديث آخر‏:عن ابن عبد الله ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله جعل حسنة ابن آدم إلى عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف خلا الصوم والصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان‏:‏ فرحة عند إفطاره وفرحة يوم القيامة ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك‏)‏
‏.‏‏"‏رواه الإمام أحمد عن عبد الله ابن مسعود‏"‏‏.‏
حديث آخر‏:‏
عن ابن عمر لما نزلت هذه الآية ‏{‏مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله‏}‏ قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏رب زد أمتي‏)‏، قال‏:‏ فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏من ذا الذي يقرض اللّه قرضاً حسناً‏}‏ قال‏:‏ ‏(‏رب زد أمتي‏)‏، فقال، فأنزل اللّه‏:‏ ‏{‏إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"‏أخرجه ابن مردويه ورواه أبو حاتم وابن حبان‏"‏وقوله‏:‏ ‏{‏واللّه يضاعف لم يشاء‏}‏ أي بحسب إخلاصه في عمله ‏{‏واللّه واسع عليم‏}‏ أي فضله واسع كثير أكثر من خلقه، عليم بمن يستحق ومن لا يستحق سبحانه وبحمده‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏262 ‏:‏ 264‏)‏
‏{‏ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ‏.‏ قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم ‏.‏ يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين ‏}

يمدح تبارك وتعالى الذين ينفقون في سبيله، ثم لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات مَنَّا على من أعطوه فلا يمنُّون به على أحد، ولا يمنون به لا بقول ولا فعل‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا أذى‏}‏ أي لا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروهاً يحبطون به ما سلف من الإحسان ثم وعدهم اللّه تعالى الجزاء الجزيل على ذلك، فقال‏:‏ ‏{‏لهم أجرهم عند ربهم‏}‏ أي ثوابهم على اللّه لا على أحد سواه، ‏{‏ولا خوف عليهم‏}‏ أي فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة، ‏{‏ولاهم يحزنون‏}‏ أي على ما خلفوه من الأولاد، ولا ما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها، لا يأسفون عليها لأنهم قد صاروا إلى ما هو خير لهم من ذلك‏.‏
ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏قول معروف‏}‏ أي من كلمة طيبة ودعاء لمسلم، ‏{‏ومغفرة‏}‏ أي عفو وغفر عن ظلم قولي أو فعلي، ‏{‏خير من صدقة يتبعها أذى‏}‏،{‏واللّه غني‏}‏ عن خلقه، ‏{‏حليم‏}‏ أي يحلم ويغفر ويصفح ويتجاوز عنهم، وقد وردت الأحاديث بالنهي عن المن في الصدقة، ففي صحيح مسلم
عن أبي ذر قال‏:‏ قال رسول الله صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ثلاثة لا يكلمهم اللّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم‏:‏ المنّان بما أعطى، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب‏)‏وعن أبي الدرداء، عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة عاق، ولا منان، ولا مدمن خمر، ولا مكذب بقدر‏)‏
"‏رواه ابن مردويه وأخرجه أحمد وابن ماجة‏"‏ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى‏}‏، فأخبر أن الصدقة تبطل بما يتبعها من المن والأذى، فما يفي ثواب الصدقة يخطيئة المن والأذى، ثم قال تعالى‏:‏ ‏{‏كالذي ينفق ماله رئاء الناس‏}‏، أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمن الأذى، كما تبطل صدقة من راءى بها الناس، فأظهر لهم أنه يريد وجه اللّه وإنما قصده مدح الناس له، أو شهرته بالصفات الجميلة ليشكر بين الناس، أو يقال إنه كريم، ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية، مع قطع نظره عن معاملة اللّه تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولا يؤمن باللّه واليوم الآخر‏}‏‏.‏
ثم ضرب تعالى مثل ذلك المرائي بإنفاقه، فقال‏:‏ ‏{‏فمثل كمثل صفوان‏}‏ وهو الصخر الأملس ‏{‏عليه تراب فأصابه وابل‏}‏ وهو المطر الشديد، ‏{‏فتركه صلداً‏}‏ أي فترك الوابلُ ذلك الصفوانَ صلداً‏:‏ أي أملس يابساً، أي لا شيء عليه من ذلك التراب، بل قد ذهب كله، أي وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند اللّه، وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب ولهذا قال‏:‏
‏{‏لا يقدرون على شيء مما كسبوا واللّه لا يهدي القوم الكافرين‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏265‏)‏
‏{‏ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير ‏}‏
وهذا مثل المؤمنين المنفقين أموالهم ابتغاء مرضات اللّه عنهم في ذلك ‏{‏وتثبيتا من أنفسهم‏}‏، أي وهم متحققون ومتثبتون أن اللّه سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء‏.‏ ونظير هذا في معنى قوله عليه السلام في الحديث الصحيح المتفق على صحته‏:‏ ‏(‏من صام رمضان إيمانا واحتساباً‏)‏
الحديث أي يؤمن أن الله شرعه ويحتسب عند اللّه وثوابه، قال الشعبي‏:‏ ‏{‏وتثبيتاً من أنفسهم‏}‏ أي تصديقاً ويقيناً‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كمثل جنة بربوة‏}‏ أي كمثل بستان بربوة، وهو عند الجمهور المكان المرتفع من الأرض وزاد ابن عباس والضحاك‏:‏ وتجري فيه الأنهار‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أصابها وابل‏}‏ وهو المطر الشديد كما تقدم، فآتت ‏{‏أكلها‏}‏ أي ثمرتها، ‏{‏ضعفين‏}‏ أي بالنسبة إلى غيرها من الجنان، ‏{‏فإن لم يصبها وابل فطل‏}‏ قال الضحاك‏:‏ هو الرذاذ وهو اللين من المطر، أي هذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبداً لأنها إن لم يصبها وابل فطل، وأياً ما كان فهو كفايتها، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبداً بل يتقبله اللّه ويكثره وينميِّه، كل عامل بحسبه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏واللّه بما تعملون بصير‏}‏ أي لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة
الآية رقم ‏(‏266‏)‏
‏{‏ أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ‏}‏
قال البخاري عند تفسير هذه الآية‏:‏ قال عمر بن الخطاب يوماً لأصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم فيمن ترون هذه الآية نزلت ‏{‏أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب‏}‏‏؟‏ قالوا‏:‏ اللّه أعلم، فغضب عمر، فقال‏:‏ قولوا‏:‏ نعلم أولا نعلم، فقال ابن عباس‏:‏ في نفسي منها شيء يا أمير المؤمنين، فقال عمر‏:‏ يا ابن أخي قل ولا تحقر نفسك، فقال ابن عباس رضي اللّه عنهما‏:‏ ضربت مثلاُ بعمل، قال عمر‏:‏ أي عمل‏؟‏ قال ابن عباس‏:‏ لرجل غني يعمل بسعة‏؟‏‏؟‏ اللّه، ثم بعث اللّه له الشيطان فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله‏
.‏ وفي هذا الحديث كفاية في تفسير هذه الآية، وتبيين ما فيها من المثل بعمل من أحسن العمل أولاً، بعد ذلك انعكس سيره فبدل الحسنات بالسيئات، عياذاً باللّه من ذلك، فأبطل بعمله الثاني ما أسلفه فيما تقدم من الصالح، واحتاج إلى شيء من الأول في أضيق الأحوال فلم يحصل منه شيء، وخانه أحوج ما كان إليه‏.‏ ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار‏}‏ وهو الريح الشديد ‏{‏فيه نار فاحترقت‏}‏ أي أحرق ثمارها واباد أشجارها فأي حال يكون حاله‏؟‏‏.‏
وقد روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال‏:‏ ضرب اللّه مثلاُ حسناً - وكل أمثاله حسن - قال‏:‏ أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات‏}‏، يقول‏:‏ صنعه في شيبته، ‏{‏وأصابه الكبر‏}‏ وولده وذريته ضعاف عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون به عليه، وكذلك الكافر يكون يوم القيامة إذا رُدَّ إلى اللّه عزّ وجلّ ليس له خير فسيعتب، كما ليس لهذا قوة فيغرس مثل بستانه، ولا يجده قدم لنفسه خيراً يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده وحرم أجره عند أفقر ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عندما كان أفقر ما كان إليها عند كبره وضعف ذريته‏.‏
وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول في دعائه‏:‏ ‏(‏اللهم اجعل أوسع رزقك عليَّ عند كبر سني وانقضاء عمري‏)‏، ولهذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏كذلك يبين اللّه لكم الآيات لعلكم تتفكرون‏}‏ أي تعتبرون وتفهمون الأمثال والمعاني وتنزلونها المراد منها، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون‏}‏‏.‏

اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

الآية رقم ‏(‏267 ‏:‏ 269‏)‏
‏{‏ يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد ‏.‏ الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم ‏.‏ يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب ‏}

يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق والمراد به الصدقة ههنا من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها، يعني التجارة بتيسيره إياها لهم، وقال علي والسدي‏:‏ ‏{‏من طيبات ما كسبتم‏}‏ يعني الذهب والفضة، ومن الثمار والزروع التي أنبتها لهم من الأرض، قال ابن عباس‏:‏ أمرهم بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وهو خبيثه فإن اللّه طيب لا يقبل إلا طيباً، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث‏}‏ أي تقصدوا الخبيث، ‏{‏منه تنفقون ولستم بآخذيه‏}‏‏:‏ أي لو أعطيتموه ما أخذتموه إلا أن تتغاضوا فيه، فاللّه أغنى منكم فلا تجعلوا للّه ما تكرهون، وقيل معناه‏:‏ لا تعدلوا عن المال الحلال وتقصدوا إلى الحرام فتجعلوا نفقتكم منه‏.
‏ وعن عبد اللّه بن مسعود قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن اللّه قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن اللّه يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا لمن أحب، فمن أعطاه اللّه الدين فقد أحبه، والذي نفسي بيده لا يُسْلم عبد حتى يسلم قلبُه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه - قالوا‏:‏ وما بوائقه يا نبي اللّه‏؟‏ قال‏:‏ غشه وظلمه - ولا يكسب عبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار، إن اللّه لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث‏)
"‏رواه الإمام أحمد عن عبد اللّه بن مسعود مرفوعاً‏"‏قال ابن كثير‏:‏ والصحيح القول الأول‏.‏
قال ابن جرير رحمه اللّه‏:‏ عن البراء بن عازب رضي اللّه عنه في قول اللّه‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم‏}‏ الآية، قال نزلت في الأنصار، كات الأنصار إذا كانت أيام جذاذ النخل أخرجت من حيطانها البسر فعلقوه على حبل بين الأسطوانتين في مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فيأكل فقراء المهاجرين منه، فيعمد الرجل منهم إلى الحشف فيدخله مع أقناء البسر يظن أن ذلك جائز، فانزل اللّه فيمن فعل ذلك‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏}‏ ‏"‏أخرجه ابن ماجة والحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط الشيخين‏"‏وقال ابن ابي حاتم‏:‏
عن البراء رضي الله عنه ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه‏}‏ قال‏:‏ نزلت فينا؛ كنا أصحاب نخل فكان الرجل يأتي من نخله بقدر كثرته وقلته، فيأتي الرجل بالقنو فيعلقه في المسجد، وكان أهل الصفّة ليس لهم طعام، فكان أحدهم إذا جاع جاء فضربه بعصاه فسقط منه البسر والتمر، فياكل وكان أناس ممن لا يرغبون في الخير يأتي بالقنو الحشف والشيص، فيأتي بالقنو قد انكسر فيعلقه فنزلت‏:‏ ‏{‏ولا تَيَمَّموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه‏}‏ قال‏:‏ لو أن أحدكم أهدي له مثل ما أعطى ما أخذ إلا على إغماض وحياء، فكنا بعد ذلك يجيء الرجل منا بصالح ما عنده
‏"‏رواه ابن أبي حاتم والترمذي، وقال الترمذي‏:‏ حسن غريب‏"‏
وعن عبد اللّه بن مغفل في هذه الآية ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏}‏ قال‏:‏ كسب المسلم لا يكون خبيثاً، ولكن لا يصَّدق بالحشف والدرهم الزيف وما لا خير فيه‏"‏رواه ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن مغفل‏"‏، وقال الإمام أحمد
عن عائشة قالت‏:‏ أتي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بضب فلم يأكله ولم ينه عنه قلت‏:‏ يا رسول اللّه نطعمه المساكين‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لا تطعموهم مما لا تأكلون‏)‏‏.‏ وعن البراء ‏{‏ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه‏}‏ يقول‏:‏ لو كان لرجل على رجل فأعطاه ذلك لم يأخذه إلا أن يرى أنه قد نقصه من حقه‏؟‏
‏"‏رواه ابن جرير عن البراء بن عازب‏"‏، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏:‏ ‏{‏ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه‏}‏ يقول‏:‏ لو كان لكم على أحد حق فجاءكم بحق دون حقكم لم تأخذوه بحساب الجيد حتى تنقصوه فكيف ترضون لي ما لا ترضون لأنفسكم، وحقي عليكم من أطيب أموالكم وأنفَسه‏؟‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏واعلموا أن اللّه غني حميد‏}‏ أي وإن أمركم بالصدقات وبالطيب منها فهو غني عنها، وما ذاك إلا أن يساوي الغني الفقير، كقوله‏:‏ ‏{‏لن ينال اللّه لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم‏}
وهو غني عن جميع خلقه، وجميع خلقه فقراء إليه‏.‏ وهو واسع الفضل لا ينفد ما لديه، فمن تصدق بصدقة من كسب طيب فليعلم أن اللّه غني واسع العطاء كريم؛ جواد، وسيجزيه بها ويضاعفها له أضعافاً كثيرة، من يقرض غير عديم ولا ظلوم، وهو الحميد‏:‏ أي المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، لا إله إلا هو ولا رب سواه
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلاً واللّه واسع عليم‏}‏،
قال ابن أبي حاتم عن عبد اللّه بن مسعود قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏إن للشيطان لمة بابن آدم وللمَلك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من اللّه فليحمد اللّه، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان‏)‏ ثم قرأ‏:‏ ‏{‏الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء واللّه يعدكم مغفرة منه وفضلاً‏}
"‏رواه ابن ابي حاتم والترمذي والنسائي وابن حبان‏"‏الآية‏.‏ ومعنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الشيطان يعدكم الفقر‏}‏ أي يخوفكم الفقر لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة اللّه، ‏{‏ويأمركم بالفحشاء‏}‏‏:‏ أي مع نهيه إياكم عن الإنفاق خشية الإملاق، يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلّاق، قال تعالى‏:‏ ‏{‏والّه يعدكم مغفرة منه‏}‏ أي في مقابلة ما أمركم الشيطان بالفحشاء، ‏{‏وفضلاً‏}‏ أي في مقابلة ما خوفكم الشيطان من الفقر ‏{‏واللّه واسع عليم‏}‏‏.‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يؤتي الحكمة من يشاء‏}‏، قال ابن عباس‏:‏ يعني المعرفة بالقرآن ناسخة ومنسوخة ومحكمه ومتشابهه ومقدمه ومؤخرة وحلاله وحرامه وأمثاله‏.‏ وقال مجاهد‏:‏ ‏{‏الحكمة‏}‏ ليست بالنبوة ولكنه العلم والفقه والقرآن، وقال أبو العالية‏:‏ الحكمة خشية اللّه، فإن خشية اللّه رأس كل حكمة، وقد روى ابن مردويه عن ابن مسعود مرفوعاً‏:‏ ‏(‏رأس الحكمة مخافة اللّه‏)‏، وقال أبو مالك‏:‏ الحكمة السنّة‏.‏ وقال زيد بن أسلم‏:‏ الحكمة العقل‏.‏ قال مالك‏:‏ وإنه ليقع في قلبي أن الحكمة هو الفقه في دين اللّه، وأمر يدخله في القلوب من رحمته وفضله، ومما يبيّن ذلك أنك تجد الرجل عاقلاً في أمر الدنيا إذا نظر فيها، وتجد آخر ضعيفاً في أمر دنياه عالماً بأمر دينه بصيراً به، يؤتيه اللّه إياه ويحرمه هذا، فالحكمة‏:‏ الفقه في دين اللّه‏.‏ وقال السُّدي‏:‏ الحكمة النبوة‏.‏ والصحيح أن الحكمة لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها وأعلاها النبوة، والرسالة أخص، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع، كما جاء في بعض الأحاديث‏:‏
(‏من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه‏)‏ ‏"‏رواه وكيع بن الجراح في تفسيره عن عبد اللّه بن عمر‏"‏وقال صلى اللّه عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه اللّه مالاً فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه اللّه الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها‏)‏
"‏رواه البخاري ومسلم والنسائي‏"‏
وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يذكر إلا أولو الألباب‏}‏ أي وما ينتفع بالموعظة والتذكار إلا من له لب وعقل، يعي به الخطاب ومعنى
الكلام‏.‏






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس