عرض مشاركة واحدة
قديم 09-02-2014, 03:31 AM   رقم المشاركة : 2
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور


إن مُعظمَ الشائِعات والأخبار دافِعُها الفُضولُ، وحبُّ الاستِطلاع،
ومعرفة الخبر وما ينطوِي عليه بأدنَى سبب،
ولو أن يبذُل أحدُهم شيئًا من مالِه لتحصيلِه،
مع أنه ليس بينه وبين أن يتلقَّاه دون عِوَضٍ إلا لحظاتُ تروٍّ وانتِظارُ تعقُّلٍ بينهما
من الفُروق ما اللهُ به عليم. وقديمًا قيل:
سـتُـبـدِي لـك الأيـامُ مـا كـنـتَ جـاهِـلاً
ويـأتِـيــكَ بـالأخـبــارِ مــن لـــم تُـــزوِّدِ
ويـأتِـيـكَ بـالأخـبـار مـن لـم تـبِــع لــه
بـتـاتًـا ولـم تـضـرِب لـه وقـتَ مـوعِـدِ
إنه ليس كلُّ تلقِّي الشائِعات وتداوُل الأخبار كيفما اتَّفق يكون مُنطلَقُه الفُضول،
فلربما كان مُنطلَقَه الرئيسُ هو التشويشُ وإثارةُ البلبلة؛
لتحقيق مآرِب فِكريَّة أو سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو دينية،
من أجل خلخلة المُحكَم وفرط المنظوم؛ ليتفرَّق الصفُّ، وتُنزعُ الثقة،
ولو من بابِ أن يقول الناسُ: كيف وقد قِيل.
إن المُجتمع الجادَّ لا يُعطِي فُسحةً لفُضولِ الحديث الإعلاميِّ الذي يُفرِّقُ ولا يجمعُ،
ويضرُّ ولا ينفعُ، ويُهدِرُ طاقاتٍ وجُهودًا للبناء والنَّماء،
حين يشغَلُه تناقُل الأخبار، وترويجُ الشائِعات؛
إذ هذه سِماتُ المُجتمع البَليد الذي يُقطِّعُ أوقاتَ فراغِه بما يزيدُها فراغًا،
ويُضاعِفُ هُوَّتها؛ لأن المُجتمع إذا شغلَ نفسَه، وعمرَ وقتَه بـ قِيل وقال،
فلن يُشيِّد معرفةً، ولن يستطيع حملَ الأثقال في المصاعِب.
ففي الحديث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
( إن الله كرِهَ لكم ثلاثًا: قِيل وقال، وإضاعةَ المال، وكثرةَ السُّؤال )
رواه البخاري.
فانظُروا - يا رعاكم الله - كيف جمع في الحديث بين قِيل وقال،
وكثرة السُّؤال، وإضاعة المال! وكأنَّ في هذا إشارةً إلى أن إضاعةَ المال سببٌ للإفلاس،
وكثرة السُّؤال سببٌ للوقوع في العَنَت، فكذلك إضاعةُ الوقت بقِيل
وقال سببٌ لإفلاس الأوقات دون عِمارتها بما يُفيد، فتملأُ أجواءَ الفِكر تشويشًا وتهويشًا.
ورحِم الله ابنَ الجوزيِّ؛ حيث قال: "شاهدتُ خلقًا كثيرًا لا يعرِفون معنى الحياة؛
فمنهم من يُقطِّع الزمان بكثرة الحوادِث من السلاطين، والغلاء والرُّخص، إلى غير ذلك.
فعلمتُ أن الله تعالى لم يُطلِع على شرَف العُمر ومعرفة قدر الأوقات العافِيَة
إلا من وفَّقه الله وألهَمَه اغتِنامَ ذلك،
{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ }
[ فصلت: 35 ].
عباد الله:
لقد علَّمَنا ربُّنا - جلَّ شأنُه - التُّؤدَة والأناة، وعدم أخذ الأخبار كيفما اتَّفق،
دون تمحيصٍ ولا تثبُّت؛ لما يُحدِثُه ذلكم من تشويشٍ وحُكمٍ بالظنِّ الكاذِب،
وقلبٍ للحقائِق، ورجمٍ بالغيبِ على أقوامٍ بُراءٍ، وتقويلِهم ما لم يقولوه أصلاً،
أو حملِ مقالِهم على ما لم يُريدُوه أصلاً.
فقد سمِع الفاروقُ - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم –
طلَّق نساءَه، فجاءَه من منزلِه حتى دخلَ المسجِد، فوجدَ الناسَ يقولون ذلك،
( فلم يصبِر حتى استأذنَ على النبي - صلى الله عليه وسلم -،
فاستفهَمَه: أطلَّقتَ نساءَك؟
فقال: لا )
فقام عُمر على بابِ المسجِد فنادَى بأعلى صوتِه:
لم يُطلِّق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - نساءَه. فنزلَت هذه الآية:
{ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ }
[ النساء: 83 ]
لقد علَّمَنا ربُّنا - جلَّ شأنُه -، وعلَّمَنا رسولُنا - صلى الله عليه وسلم ألا تكون آذانُنا كالأقماعِ نتلقَّى من خلالِها أيَّ خبرٍ دون تثبُّت،
وأن نُرسِلَه جُزافًا بلا زِمامٍ ولا خِطامٍ؛
فإن الخبرَ أولُ ما يُحتاجُ فيه إلى معرفةِ صِدقهِ من كذِبِه.
ومن ثَمَّ تأمُّل ما يَعنيه هذا الخبرُ، فلا نُنزِلُه في غير ما هو له،
أو نتجاوَزُ في فهمِه أكثرَ مما يستحقِّهُ ويَعنيه، فضلاً عن أن تلقِّيَ الأخبار
هكذا جُزافًا سبيلٌ إلى التِياثِ المرء بالكذِب الذي يهدِي إلى الفُجور،
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
( كفَى بالمرء كذِبًا أن يُحدِّثَ بكل ما سمِع )
ويشتدُّ الأمرُ تأكيدًا ونكيرًا حينما يكونُ الخبرُ مُتعلِّقًا بأمور دينِنا؛
كالنَّقل عن المُصطفى - صلى الله عليه وسلم -،
وبثِّ أخبار فضائل الأعمال عبرَ مواقِع التواصُل والمجامِع دون تثبُّتٍ؛
فقد قال - صلى الله عليه وسلم -:
( من كذبَ عليَّ مُتعمِّدًا فليتبوَّأ مقعدَه من النار )
هكذا علَّمَنا دينُنا - عباد الله -. فهل يعِي ذلك من له مُسكةُ عقلٍ سواءٌ
في الجانبِ الإعلاميِّ، وهو معنيٌّ بالدرجة الأُولى في زمنِنَا هذا؛
لأنه مصدرٌ رئيسٌ من مصادِر الأخبار والحوادِث والشائِعات،
والتي من خلالِها يحكُم ذوُو البصائر والأفهام على مِصداقيَّة تلك المصادِر الإعلاميَّة
أو عدمِها.
أو في الجانِبِ الفرديِّ؛ فإن المرءَ مُحاسَبٌ بكل ما ينطِقُ به لسانُه،
وما يخطُّه بَنانُه، بصريح عباراته التي لا تحتمِلُ التأويل،
مع التأنِّي في المُعرَّض به، حتى تدلَّ القرائنُ على المعنى المُراد،
ولقد قال الله:
{ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
وقال - سبحانه -:
{ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ }
[ الانفطار: 10- 12 ].
باركَ الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم،
قد قلتُ ما قلتُ، إن كان صوابًا فمن الله، وإن كان خطأً فمن نفسِي والشيطان،
وأستغفرُ الله لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ،
فاستغفِروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفورُ الرحيم.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس