عرض مشاركة واحدة
قديم 08-01-2013, 02:07 AM   رقم المشاركة : 117
قلب الزهـــور
( مشرفة الاستراحه والقصص والروايات)
 
الصورة الرمزية قلب الزهـــور
تااااااابع



كذلك الأمر في بقية الأحكام الشرعية (فالخمر حرام، والربا حرام، والطعن في الشريعة حرام، ونشر البدع حرام…) فلا بدّ أن تكون ممنوعة نظاماً، وأن يكون ثمّ جزاء لمن يخالف، وحين يشرحها الإنسان على أنّها محرمات فقط في الشريعة لكنها في الواقع والنظام ليست محرّمة فهو تصوّر علماني للشريعة الإسلامية، يتصوّر أن في الإمكان أن يكون (ثمّ محرّم في الشريعة) وليس هو (محرّم في النظام والقانون) وهذه هي فلسفة العلمانية في عزل الدين عن الدولة.
وإذا عرف هذا الأصل زالت كافّة الإشكاليات التي تثار على طبيعة عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأنه يقوم ببعض الواجب في منع المنكر وإقامة المعروف.
فقائل: (أن الأمر والنهي في الشريعة لا يحتاج لسلطة وإنما هو واجب اجتماعي يقوم به الناس) فهو بهذا يسقط صفة القوّة والإلزام التي تتّصف بها هذه الشعيرة لتكون قريبة من المفهوم العلماني.
وينفي آخر (صلاحية الدولة للتدخّل في مثل هذه القضايا لأنّ هذا ليس من اختصاصها) وهذا مبني على اعتقاد أن الدولة تكون محايدة في قضايا الدين كما هي الرؤية العلمانية.
والمقصد الرابع لهذه الشعيرة: الإعذار إلى الله، كما ذكر الله ذلك في المناظرة التي جرت بين الفئة التي سكتت عن جريمة أصحاب السبت مع الفئة التي أمرت ونهت {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}*الأعراف:164*.
فمن مقاصد هذه الشعيرة ومعانيها أن يقوم المسلم بالواجب حتى يبرأ ويعذر أمام الله.
ليس المطلوب أن يتغيّر المنكر ويزول، أبداً ليس هذا هو المقصود الوحيد، إن حصل فبها ونعمت وإلا فقد حصل الإعذار، فحين يعترض شخص متندراً (بأنّ هذا المنكر لن يزول وأن خلفه مؤسسات ونظم وقوى…) فهو لا يدري ما مقصود الشريعة من هذا الاحتساب؟
فالحديث المتكرر من بعض الناس من أنّ (هذا المنكر منتشر وظاهر وكلّ الناس تفعله فلا حاجة لإنكاره) كلام من لا يعي ماذا يريد المحتسب من هذه الشعيرة.
نعم، لو كان المحتسب يعلم يقيناً أو غلب على ظنّه أن الشخص الذي وقع في الخطأ لن يقلع أبداً عن فعله ولن يستفيد بتاتاً من نصيحته فقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ هذا يكون سبباً لسقوط وجوب الأمر والنهي خلافاً للرأي الآخر - وقد حكاه بعضهم قولاً للعلماء - ممن يرون أن الوجوب لا يسقط بسبب هذا. [انظر الآداب الشرعية: 1/155]
لكن لاحظ أن الخلاف هنا في سقوط (الوجوب) وليس في سقوط (الأمر والنهي) فهو مشروع على كلّ حال وربّما يقول بعضهم هو جائز، لكنهم في النهاية لا يمكن أن يكون حالهم حال من يتعامل مع المحتسب في هذه القضايا على أنه (قليل بصر وضعيف فقه وغير مدرك للمقاصد الشرعية) بل وربّما تحمّس قليلاً فقال (هم سبب زيادة المنكرات)!
على أنّ الحديث عن عدم تأثير الأمر والنهي حديث تثبيطي بعيد عن الواقع، فللقيام بهذه الشعيرة دور عظيم التأثير في إصلاح الأوضاع وتعديل السلوك وتقويم الانحرافات بما لا يخفى، لكن هذه الروح الكسولة تبثّ فيروساً قاتلاً لإحساس أي شخص يريد أن يقوم بأداء هذا الواجب، بحيث أنه سيتقاعس حتى عن المنكرات التي يجزم هو بإمكانية تغييرها أو يغلب على ظنه، ومع ذلك فلن يفعل شيئاً، لأن الضعف قد سرى في روحه وسكن قلبه فما عاد يفكّر في أي إصلاح، بخلاف أصحاب العزائم والهمم فإنهم كثيراً ما يصلح الله على أيديهم من الأمور المستعصية ما لم يكونوا يحتسبون ، ولو التفتوا لهذه الدعوات لما قام آمر ولا ناهٍ.
على أنّ الإصلاح ليس بالضرورة أن يكون لجميع الناس ولكافة المجتمع، يكفي أن يتحقق الإصلاح ولو على بعض الأفراد، فإصلاح بعض الناس أو بعض السلوك هو مقصد ومطلب شرعي.
يا أخي: افترض عدم وجود أي إصلاح ولا تأثير، يكفي أن تبقى المفاهيم والمعاني الشرعية ثابتة في النفوس، يكفي أن يعرفوا أن الخمر حرام والربا حرام والموسيقى حرام والتبرج حرام ولو كانت هذه المحرمات ضاربة بأطنابها في المجتمع، يكفي أن تكون الأحكام ثابتة لم تنسى ولم تمت، وبقاء الأحكام كفيل بإصلاح الأمور ولو بعد حين.
فالكلمات التي تملأ فضاء الناس من قبيل (الحملة ضدّ هذا المشروع فاشلة) و(إنكار هذا المنكر خاسر) و(ستخسرون) و(ستفشلون) .. كلام من لا يعرف ما هو الفشل والنجاح في معادلة هذه الشعيرة، الفشل والخسارة في عدم تحقيق مقصد الشريعة، القيام بها نجاح بحدّ ذاته يكفي في نجاحه أن تبقى المفاهيم صحيحة، فلو أن شخصاً صلى في مسجدٍ ما عشر سنوات، وقام فيه الليالي الطويلة، ثم هدم هذا المسجد وسوّي بالأرض هل يكون هذا الرجل فاشلاً خاسراً؟ أبداً، ولا من قام ونصح وبيّن ثمّ ثبت المنكر واستقرّ لا يكون فاشلاً ولا خاسراً.
هذا الربا منتشر في كل المجتمعات الإسلامية لكن الجميع يقول هو حرام، وقل مثلها في الخمور والتبرج وغيرها.
وهل وقف هذا التثبيط عند هذا الحدّ؟
لا، فالضعف عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مرض يصيب النفوس فتظهر كثير من الأعراض على فكره وسلوكه من حيث لا يشعر، وتتشكّل في صور عديدة ليست إلا عرض لهذا المرض،
فمرّة يقول: (هذا المنكر قادم قادم) ويتحدّث بلغة الفاهم العارف بالمحيط السياسي والمتغيرات الدولية، وما أدري ما قيمة كونه قادم أو غير قادم في الأمر والنهي، يا أخي لو كان قائماً بجذوره لوجب إنكاره ولما ساغ السكوت عنه، فكيف تزول هذه الشعيرة مع شيء لمجرّد أنه سيقدم؟
والمشكلة الأكبر: أنّ هذه المنكرات القادمة كثيرة جداً، وإذا أبيد الحسّ الشعبي الرافض والممانع لأي سلوك أو فكر يخالف أصوله وقيمه فمعناه أننا سنكون مستعدين نفسياً للقبول بكافة المنكرات والانحرافات التي يخطّط لها، ليس فقط مجرد تخطيط، بل الأمر وصل إلى حدّ التنفيذ ومتابعة الدول ومعاقبة المتخلّف كما هي قرارات الهيئات والمؤتمرات الدولية التي تريد فرض أجندتها الفكرية في إشاعة الفاحشة وتطبيع العلاقات المحرّمة على كافة الدول، فمع هذه النفسية الهزيلة لا يمكن للمجتمعات المسلمة أن ترفض أي شيء من هذه المؤتمرات والقرارات، وما عليهم سوى أن يقرروا حتى تكون قراراتهم موضع التنفيذ لدينا لأننا أصحاب حكمة ونظر في عواقب الأمور!
ومرّة يقول (الناس لديهم تحديات كبيرة تمسّ هوية المسلم وتعرّض أصوله للذوبان…) ويواصل في الحديث حتى يهوّن من أي منكر غيره، وكأن وجود منكر كبير يكون سبباًَ لترك ما دونه من المنكرات؟
وآخر يستغرب: (لا يصحّ المطالبة بجميع الأحكام الشرعية وإنما تكون المطالبة بالحدّ الذي يمكن أن يكون مقبولاً وممكن التحقيق) ولا مشكلة أن يكون هذا جزء من التنوع في الإنكار، فينكر بعضنا المنكر بكلّيته، ويطالب بعضنا بالتخفيف منه، لكن الإشكالية الحقيقية أن تكون هذه المطالبة الجزئية هي الأصل والحكم الشرعي وما عداه فهو غير واعٍ ومحطّ استخفاف وعيب؟
إلى غير ذلك من التبريرات التي ليته جعلها خطاً له ومنهجاً خاصاً به، لكنّه يريد فرضها على بقية الإخوان المحتسبين الغيورين الذين فيهم عزيمة وقوّة واستعداد للتضحية والبذل فيفتّ في عضدهم بمثل هذه الأشكال التبريرية التي ليست إلا أعراض للضعف الذي يصيب الإنسان.
إن مفهوم (الإعذار) يعني أن الله تعالى يريد من عباده أن يشيعوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يكون ظاهراً بينهم حتى ولو لم يكن ثمّ نتيجة أو ثمرة لذلك، فالمقصود أن تعذر وتبرئ ذمتك وتظهر براءتك وإنكارك، حينها فأي دعوى أو قول ينافي هذا الأصل فهو معارض لمقصد الشريعة.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة

رد مع اقتباس