عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-2009, 04:16 AM   رقم المشاركة : 184
!!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
Band
 
الصورة الرمزية !!! الرومـ ^_* ـانسي !!!
 






!!! الرومـ ^_* ـانسي !!! غير متصل

الحلقه الثالثة والاربعون

مـــــن حبيبتك؟؟







الساعه الثالثه إلا عشر دقائق عصراً أفقت من النوم مفزوعا على صوت رنين
هاتفي.

تناولت الهاتف بسرعه وأنا استرجع وعيي فجأه واتذكر رغد وما ألم بها
أجبت بقلق:
نعم هذا أنا".
وسمعت صوت رغد يحدثني من الطرف الآخر:
مرحبا وليد. هل كنت نائما؟"
قلت:
نعم رغد هل انت بخير؟
قالت:
"أجل. اتصلت مرتين ولم ترد! كنت أريد أن أطلب منك جلب بعض حاجياتي معك.
متى ستأتي؟""
ألقيت نظرة على ساعة الحائط ثم قلت:
"بعد ساعة من الآن. لقد استغرقت في النوم ولم أحس بشي. أنا أسف. ماذا أجلب
معي؟"
وذكرت لي عدة أشياء تلزمها.. وإن كان (الحذاء) من بينها!
لم ألتق بأروى خلال تلك الساعة ولم أسمع ردا حين طرقت باب غرفتها
لأعلمها بانصرافي..
وذهبت إلى المستشفى وأنا أحمل باقة من الزهور الجميلة وعلبة شوكولا كبيرة
بالإضافة إلى حاجيات رغد..
عندما وقعت أنظاري عليها للوهلة الأولى شعرت براحة..
إذ أنها بدت بحالة أفضل
وعاد لون الحياة إلى وجهها بعد الشحوب. كما أنها سرت بباقة الزهزر وشكرتني
عليها.
أقللت خالتي إلى المنزل وعدت سريعا إلى رغد حيث قضيت معها ساعات الزياره..

تخلل تلك الساعات فترة العشاء وقد قمت بنفسي بتشجيع ومساعدة رغد على تناول
الطعام.
تجابها معي طمأنني إلى أنها تجاوزت مرحلة الانهيار النفسي وتقبلت لحد ما
وضعها الحالي. هاذا إضافة إلى
أن كلام الطبيب منحني المزيد من الطمأنينة على وضعها هذا اليوم.
بعد أن أنهت عشائها بدا عليها بعض الشرود والتوتر ..
وأنا أعرف صغيرتي حين يشغل بالها شيء..
سألتها:
" أهناك شيء يا رغد؟"
نظرت إلي وفي عينيها التردد ولمحت أصابع يدها السليمه تتحرك باضطراب.
وكأنها تود قول شيء تخشاه.
قلت مشجعا:
"خير صغيرتي؟؟ ماذا يزعجك؟
قالت بعد تردد:
"ماذا قالت لك؟"
نظرت إليها مستنتجا ما تعنيه. كانت الإشارة إلى أروى طبعا. الاهتمام كان جليا
على وجهها.
رددت عليها:
"لاشيء"
فسألت:
لاشي؟
فوضحت:
"أعني أنني لم أتحدث معها بعد. حقيقة لم أجد الوقت لذلك. كنت نائما طوال
الساعات.
تلاشى جزء من توتر رغد وسكنت أصابعها ولكنها لم تزل مشغولة البال.
قلت:
"أهناك شيء تودين قوله لي يا رغد؟
اضطربت وأجابت:
" لا. لكن.."
"لكن ماذا؟"
"لاتتصغ لما تدعيه هي علي.. إنها تكرهني".
وقد قالتها بانفعال فقلت:
"لا أحد يكرهك يا رغد.
فردت بانفعال أكثر:
"بل تكرهني.., وتعتبرني عالة عليك وعلى ثروتها.. وحتى على منزلنا".
قلت نافيا:
"غير صحيح يارغد.. أروى ليست من هذا النوع".
قالت بعصبيه:
"قلت لك لا أريد سماع أسمها.. لماذا تدافع عنها؟ ألم ترَ مافعلت بي؟؟ أنت لم
تسمع ماقالته لي".
أحسست بأن أي شراره قد تشعل حريقا فظيعا.. فأردت تدارك الأمر وقلت:
"لاتلقي بالا لشيء الآن. سنناقش المشكلة بعد خروجك سالمة إن شاءالله".
هدأت رغد وقرأت الرضا والامتنان على قسمات وجهها,ألحقتهما بابتسامة بسيطة
بكلمة:
"شكرا على تفهمك".
ابتسامتها السطحية هذه أدت مفعولها وأشعرتني بتيار من الراحة.. أما جملتها
التالية فأطلقت قلبي محلقا في السماء..
"أنت طيب جدا.. أثق بك كثيرا يا وليد".
غمرتني نشوى دخيلةٌ على الظروف والحال اللذين نمر بهما .. وأطلقت زفرة
ارتياح وسرور من أعماق صدري..
وانقضت ساعات الزيارة وذهبت إلى المنزل مرتاح البال زمتهلل الوجه لحد
ملحوظ..
ثماصطحبت الخالة ليندا إلى المستشفى لتبقى مع رغد طوال الليل..


عندما وصلنا إلى المستشفى, وبعد أن ركنت السيارة في أحد المواقف الخاصة,
خاطبتني الخالة قائلة:
" وليد يابني.. عد إلى أروى وتحدث معها".
كانت نبرتها مزيجا من الجدية والحزن.. أيقضتني من نشوة السرور التي كنت أغط
فيها..
شعرت بالحرج وقلة الحيلة ولم أجرؤ على النظر إلى عينيها.. الخلة تابعت:
"إنها ليست على مايرام يابني..أنت منشغل هنا مع رغد وإصابتها.. لكنأروى
أيضا في حالة سيئة وبحاجة إليك باركك الله".
بخجل رفعت بصري إليها وأطرقت برأسي مؤيداً..
حين وصلت إلى البيت وقفت أمام غرفة أروى في حيرة.. لم تكن لدي الأفكار
الحاضره لطرحها في الحديث..وأحاديثنا في الأيام الأخيرة كانت مشحونة جدا..
ومؤخرا تصرفت معها بخشونة بالغة..
مددت يدي أخيرا وطرقت الباب..
" هذا أنا.. أيمكنني الدخول؟؟"
فلم ترد. فقلت:
"أروى.. هل أنت نائمة؟؟"
فلم ترد.
كررت مناداتها إلى أن سمعتها تجيب أخيرا وبنبرة غاضبةٍ:
"نعم؟ ماذا تريد".
قلت:
"ام لاتردين علي؟؟ أقلقتني عليك".
فسمعتها ترد بأسلوب لم يعجبني:
"أحقا؟؟ لاداع لأن تقلق بشأني. يكفيك ما أنت فيه ومن تقلق بشأنهم. لاتتعب
نفسك".
وقفت برهة حائرا ومنزعجا في مكاني.. فأنا لم أعتد الصدود من أروى بل رحابة
الصدر وطول البال وحرارة الترحيب..
ثم ناديتها مرتين وطلبت منها الإذن لي بالدخول لنتحدث.. ولما تجلهلت نداءاتي
تجرأت وفتحت الباب!
دخلت الغرفة فرأيت أروى تهب واقفة مفاجأة من دخولي.. ورأيت الاحمرار يطلي
وجهها بسرعه.. وأروى من النوع الذي يتغير لون وجهه بسرعه مع تغيرات
انفعالاته..
قلت وأنا أراها تضطرب وترتد خطوة للوراء:
"أنا.. أنا آسف ولكنني.."
وتنحنحت لأزيل الحروف التي تعثرت في حنجرتي.. ثم تابعت بصوت خافت
وحنون:
"قلق بشأنك".
حل صمت عميق فيما بيننا فلا أنا قدرت على مواصلة الكلام ولا هي تكلمت
لتشجعني.. بل تراجعت خطوة أخرى للوراء وأدارت وجهها وأبعدت عينيها عني..
هل سنقف هكذا طويلا!؟؟ يجب أن أفعل شيئا!
تجرأت وخطوت بضع خطوات مترددة مقتربا من أروى.. وهي لاتزال مديرة وجهها عني
متحاشية النظر إلي..
"أروى".
ناديتها بصوت حنون..
وإن لم تنظر إليّ أو لم ترد علي.. فهي على الأقل تسمعني..
قلت:
"أروى.. أنا آسف لما بدر مني.. أعرف أنني.. أنني كنت فظا.. لكن.. اعذريني
فأنا أمر بظروف تفقد المرء اتزانه".
وأضفت:
"والأجدر بك كزوجة مساندتي وليس مؤاخذتي.."
هنا التفتت أروى إلي ورفعت بصرها نحوي.. فقرأت في عينيها كلمات غاضبة..
ثم علقت:
"والأجدر بك كزوج.. ملاطفتي وليس الصراخ في وجهي وسحق عظامي في الجدران".
لم أعرف بم أعقب! صعقني تعقيب أروى وأشعرني بذنب مؤلم..
أنا وأروى ومنذ ليلة شجارها مع رغد.. على خلاف يتفاقم يوما بعد يوم..
وأحدثت شجاراتها مع رغد بيننا فجوة كبيرة آخذة في الاتساع..

أولتني أروى ظهرها مجددا لتبعد عينيها وتعبيرات وجهها عن مرآي. ومرت اللحظة
خلف اللحظة ونحن واقفان على هذا الوضع..
أردت أن أشعرها بندمي وبأنني راغب في أن نتفاهم ونتصالح..
مددت يدي ووضعتها على كتفها برفق.. ثم أدرتها لتواجهني.. وعندما التقت
نظراتنا شاهدت بريق الدموع في عينيها..
"أروى.."
قلت هامسا:
"دعينا نتفاهم.. أرجوك".
رفعت أروى يدها ومسحت الدمعة العالقة في رموشها قبل أن تطل.. وأظهرت تعبيرات
التماسك وقالت أخيرا:
"حسنا. عم تريدنا أن نتفاهم؟"
قلت وأنا لا أزال واضعا يدي على كتفها:
"عن كل شيء.. والأهم عنك أنت".
نظرت إلي وهي وتضيق فتحتي عينيها وتقول:
"عني أنا؟"
أجبت:
"نعم. فأنا أود الاطمئنان عليك قبل كل شي الآن.."
قالت:
"وكيف تراني الآن؟؟"
قلت مشجعا:
"أراك بخير والحمدلله.. ألست كذلك؟"
أمالت أروى إحدى زاويتي فمها للأعلى وعقبت:
"تلزمك نظارة".
وهي إجابة لم أتوقعها من أروى.. ولم أستسغها.. ثم أبعدت يدي عن كتفها إشارة
إلى أنها غاضبة مني..
قلت محاولا استرضاءها:
"أروى.. أنا آسف.. آسف لأنني قصرت معك وأسأت التصرف.. أرجوك أن تعذريني..
إنني لا أعرف ماحصل ولكنني مأخوذا بإصابة رغد البالغة ولم أستطع التفكير في
شيء أخر معها.. أردت أن أسألك لتتضح الأمور.. ولكن.. تعرفين.. كنت مضطرا
لملازمة رغد في المستشفى ولم تسنح الفرصة".
قالت أروى وهي تعبر عن استيائها:
"مضطر؟؟"
قلت:
"أعني.. أنه لابد من ذلك.. لم يمكنني تركها وحيدة آنذاك لأنها تفزع من
الوحده والغربة.. إنه فزع مرضي كما أعلمتك مسبقا.."
قالت أروى بشيء من السخرية:
"وما الذي جعلك تتركها الآن؟ هل تخلصت من مرضها أم ماذا؟"
لم أعقب على سؤالها, ثم قلت:
"اندع رغد لما بعد ولنتحدث عنك أنت الآن".
ولم أفهم سر التعبيرات التي طلعت على وجه أروى لحظتها..
بعدها قالت:
"بالنسبة لي أنا.. فأنا أريد العودة إلى المزرعة".
فوجئت من كلامها وارتسمت على وجهي تعبيرات عدم التصديق.. فنحن في ظروف ليست
بحاجة للشرح ولا يمكن لفكرة السفر أن تبقى في رأس أي منا..
قلت مستغربا:
"المزرعة؟؟"
فردت مؤكدة:
"نعم المزرعة. أريد العودة إلى المزرعة.. إلى خالي.. وفي أقرب فرصة".
أتعني ماتقول؟؟ ألا ترى وضعنا الحالي؟؟ أهي جادة في كلامها هذا؟؟
قلت:
"كيف يا أروى؟ عجبا! كيف تفكرين في هذا الآن؟؟ لانستطيع السفر وتدركين
لماذا".
قالت موضحة:
"أما لم أقل نريد العودة.. قلت أنني أنا أريد العودة.. وإذا احتجتم لوالدتي
فلا أظنها تمانع البقاء معكم.. لكني أريد السفر وبسرعة.. ولاتحاول ثنيي
لأنني لن أغير موقفي".
وكان على وجهها الحزم والجد.. فأدركت مدى الإصرار الذي تحمله..
رفعت يدي الاثنتين إلى كتفيها من جديد وقلت بصوت راجٍ:
"لماذا ياأروى؟ ألا تقدرين مانحن فيه؟"
أجابت بصوت غاضب, أفلت من مكابحه فجأة وفجر نافورة من الدماء في وجنتيها:
"لماذا؟ أوتسألني لماذا؟؟ لأنني تعبت يا وليد.. أكاد أنفجر.. ألا تشعر بما
أعانيه؟؟
ألا تحس بي يا وليد؟؟ ألا تحس؟؟
وقبل أن تتم جملتها كانت الدموع قد فارقت من عينيها.. فرفعت كفيها وخبأت
وجهها وبكت بصوت عال..
كانت يداي لا تزالان قابعتين على كتفيها بحنان.. ربما لتطبطبان على موضع
القسوة التي عاملتها بها صباحا..
بكت أروى بألم.. فرققت لحالها وقلت:
"أرجوكِ.. لاتبكي.."
لكنها استمرت في إطلاق الزفرات الباكية الحارة..
قلت بلطف:
"اهدئي رجاءً.."
أروى أزاحت كفيها عن وجهها ونظرت إلي من بين الدموع..
"ألا تحس بي يا وليد؟؟"
أجبت بعطف:
"من قال ذلك؟!"
أروى عصرت عينيها من الدموع وهي تحرك رأسهها نفيا وتقول:
"لا.. لا تحس بي! إنك لا تشعر بما أشعر به.. ولا بما أعانيه".
مدهشا من كلامها وقفت أحدق في عينيها وأصغي باهتمام..
وإذا بها تمد إحدى يديها إلى إحدى ذراعيّ الممدودتين إلى كتفيها فتشد عليها
وتقول:
"وليد.. وليد.. أنا أحبك".
شعرت بشيء يقف في حلقي فجأة ويسد مجرى هوائي! فتوقفت عن الحركة وعن التنفس..
أما هي فتابعت:
"أتدرك ذلك؟؟"
ولما رأت سكوني هزت ذراعي وكررت:
"أتدرك ذلك يا وليد؟ أتحس بي؟؟"
أطلقت زفرة أخيرة مصحوبة بإجابة متوترو:
"آه.. أجل.. طبعا".
قالت:
"وأنت؟ هل تحبني؟"
ازداد توتري واستغرابي.. ازدردت ريقي ثم قلت:
"ماذا دهاك يا أروى".
قاطعتني سائلة وهي تضغط على ذراعي:
"هل تحبني؟"
قلت:
"أروى!!؟"
فضغطت أكثر على ذراعي وقالت:
"أجب يا وليد.."
احتقنت الدماء في وجهي واشتعل احمرارا.. وخرجت أنفاسي حارة لفحة وجه أروى
وأوشكت أن تحرقه..
"بالطبع.."
وكأن الإجابة قد فجرت بركانا مملوء بالحمم في عينيها.. نظرت إلي نظرة
تشكك.. وحركت رأسها نفيا.. ثم دفنت كل تلك الحرائق في صدري..
"لماذا تفعل هذا بي يا وليد؟؟ أنا لا أتحمل.. لا أتحمل.. لا أتحمل".
انهارت أروى باكية على صدري بعمق.. فما كان مني إلا أن أحطتها بذراعي بعطف..
وطبطبت عليها..
كنت أرغب في أن نتحدث معا ونستوضح الأمور.. ونصلح الخصام القائم بيننا غير
أن بكاءها وانهيارها بهذا الشكل جعلني أرجىء بعيدا الأفكار المبعثرة التتي
كنت أحاول تجميعها قبل دخولي الغرفة..
تركتها تبكي على صدري وأخذت أمسح على شعرها الناعم.. حتى هدأت قليلا..
فقلت مشجعا:
"يكفي يا أروى.. أرجوكِ".
وأمسكت برأسها وأبعدته عني قليلا.. حتى التقت نظراتنا.. وكم كانت عميقة
ومكتظة بالمعاني..
همست بعطف وقلق:
"ماذا حل بكِ.. أروى؟"
فردت للعجب ردا لايمت لسؤالي بصلة:
"إنك حتى.. لم تفكر في الاحتفاظ بصورة لي! أنا خطيبتك.. وزوجتك شرعا".
نظرت إليها والدهشة تملأ وجهي.. وبدأ سباق نبضات قلبي وانتهى بتوقف مفاجىء.
حين سمعت أروى تتابع قائلة:
"لكنك تحتفظ بصورتها هي!"
جفلت تيبست ذراعاي وتصلبت رجلاي.. حملقت في أروى في عجز عن تحرير أنظاري من
أسرها..
وإذا بها تقول:
"لايحتفظ الرجل بصورة فتاة تحت وسادته.. إلا إذا كان يحبها.. لا يحتاج
المرء لذكاء خارق حتى يستنتج هذا".
هنا انكتمت أنفاسي كليا ووقف شعر جسدي مذهولا.. حدقت عيناي في عيني أروى
واستقبل وجهي كلماتها القوية.. كصفعة مباغتة اصطدمت به حتى تمحي ملامحم..
وبالتأكيد.. فإن ملامح وجهي بالفععل قد اختفت.. لأنني رأيت عيني أروى
تدوران فيه.. تفتشان عن شيء لم تعثر عليه..
متسمرا في مكاني.. وساكنا عن أي حركةٍ أو نفسٍ أو نبض, وقفت أما أروى أتلقى
النظرات الثاقبة.. ذات المعاني المستهدفة..
لما رأت أروى سكوني المهول.. حركت يديها نحو كتفي وضغطت عليهما.. وسألت:
"هل تحبها؟"
السؤال المفاجىء المهول.. أجبر فمي على الانفغار.. لكن نفسا لم يخرج منه..
ونفسا لم يدخل إليه..
شعرت بيدي أروى تشدان أكثر على كتفي.. وكانت تركز في عيني كمسمار دق على
بصري فثبته ومنعه من الهروب..
كررت:
"أنت تحبها.. أليس كذلك؟؟"
لم أتحرك!
قالت ووجهها يشع احمرارا:
"أجب يا وليد؟؟"
حاولت أن أبلع ريقي لكن الشلل أصاب حلقي.. كما أن الجفاف الشديد صير لساني
إلى قطعة خشب مهترئة عاجزة عن الحراك..
"أجبني".
ألحت أروى.. وبصعوبة عصرت هذه الكلمات من لساني عصرا:
"بـــ.. بالطبع.. أليست ابنة عمي؟"
أروى هزت رأسها استنكارا وقالت:
"لا يا وليد! أنت تدرك ما أعني.. أنت تحبها أكثر من ذلك.. لا تحاول..
إنك.. أنت.. آه".
ولم تكمل أروى جملتها.. بل سحبت يديها وأخفت وجهها بهما وابتعدت عني..
وربماكان هذا أفضل مافعلته.. لتطلق سراح عيني..
ترنحت عيناي في اللاشيء.. واللاهدف.. وتأرجحت ذراعاي على جانبي كبندول
الساعة.. وتراقصت كلمات أروى الأخيرة بين طبلتي أذني حتى مزقتهما..
العرق كان يتصبب من جسمي.. والدماء تغلي في عروقي.. وأشعر ببخار يخترق جلدي
ويطير إلى السقف..
لم أتوقع أن تأتي هذه اللحظة ذات يوم.. ولم أفكر بها.. وبقيت متجاهلا
لاحتمالها وهاربا منه.. حتى جاءت بغتة.. فلم تجد لدي أي استعداد
لاستقبالها..
كانت لحظة من أصعب لحظات المواجهة.. بيني وبين أروى.. كان.. موقفا لا أحسد
عليه.. ورغم أنه فاجأني لحد الذهول.. لحد الذوبان والتيه واللاشي.. لم
تصدر عني أية ردة فعل تجاهه.. كنت مشلولا تماما.. وما كان أسرع ما استسلمت
لحصوله.. وانسقت لما فرضه علي.. فلا يوجد ما يمكنني أن أنفيه أو أدعيه أو
أشكك فيه..
عرفت يا أروى؟؟ لابد أنك كنت ستعرفين ذات يوم..
أنا.. لاأستطيع بأي حال أن أفلح في إنكار حقيقة بهذا الحجم.. بحجم السماء
في سعتها.. وبوضوح الشمس في سطوعها..وبعمق البحر في جوفه..
إنهها الحقيقة التي تحتل تسعاً وتسعين جزءا من المائة.. من حياتي كلها..
ولساني يبقى عاجزا تماما عن نفيها أو تحويرها.. وأفكاري منقادة لأوامر القلب
الذي يستحيل عصيانه.. وجنوني يدفعني لأن..أحتفظ بصورتها القديمة الممزقة كل
تلك السنين.. كل تلك السنين.. مخبأة عندي.. نعم.. فهي فقط.. كل ما
أستطيع الاحتفاظ به.. قريبا من قلبي.. هي فقط.. ما أستطيع أن أتحسسه
بيدي.. وأتأمله بعيني.. وأضمه إلى صدري..
وخلال التسع سنوات الماضية.. لم تفارقني هذه الصورة الغالية.. كنزي
الثمين.. ولا ليلة واحدة..
بعد مرور بضع دقائق أو شهور أو حتى سنين.. أصابني الإعياء فسرت حتى جلست على
طرف السرير.. التقطت أنفاسي كعجوز طاعن.. أتعبه الوقوف على رجليه لبعض
الوقت..
وبقيت على صمتي لدهر..
كنت أسمع صوت بكاء أروى ولا أرفع نظري إليها.. حتى إذا ما توقفت, تسللت
عيناي إليها بحذر..
كانت مولية ظهرها إلي ولكنها استدارت بعد قليل ولما التقت نظراتنا أسرعت
بالانسحاب عن عينيها..
سمعتها بعد ذلك تقول:
"أريد أن ترتب أمر سفري بأسرع ما يمكن.."
وخرجت الجملة متحشرجة هزيلة.. وجهة إليها بصري من جديد فوجدت الدموع وقد جفت
عن عينيها والجفون قد تورمتوالخدين قد توهجا من أثر الملوحة..
قالتها وانتظرت ردت فعلي..
ولأنني ساعتها لم أكن بقادر على الرد فقد اكتفيت بالتنهد وإمالة رأسي نحو
الأرض.. وحينما رفعته مجددا رأيتها تخرج من الغرفة وتتجه إلى الحمام..
حاولت أن أناديها لكن الضعف الذي ألم بي حال دون حراكي..
انتظرتها حتى تعود.. وأنا ألملم بعض أشلاء شجاعتي.. وأعيد ترتيب كلماتي..
لكن الانتظار طال ولم تعد..
قمت وتوجهت نحو الحمام وطرقت الباب:
"أروى ألن تخرجي الآن؟"
أجابت:
"كلا.. لاتنتظرني".
وأدركت أنها لا تريد مواصلة الحديث.. فما كان مني إلا أن انسحبت.
وفي غرفتي أعدت حوارنا القصير.. وتقليب الجمل التي قالتها أروى في رأسي
مرارا.. فيما كانت الصورة الممزقة تعبث بأصابعي..
( لا يحتفظ الرجل بصورة فتاة تحت وسادته.. إلا إذا كان يحبها).
آه ياصغيرتي الممزقة..
ألم تكوني نائمة بأمان في محفظتي؟؟ لماذا أخرجتك تلك الليلة!؟ لماذا تخليت عن
حذري هكذا؟؟
لقد.. كنت دائما لي وحدي ولا يراك إلا عيناي.. لماذا ظهرت لها وكشفت السر
الدفين.. وفي هذا الوقت بالذات؟؟
وتذكرت.. أنه في منزلنا المحروق.. في غرفة سامر.. في إحدى المرات..
تركت صورة رغد الممزقة قرب وسادتي ونمت.. ثم جاءت والدتي رحمها الله توقظني
لتأدية الصلاة.. ورأتها..
ظننت حينها.. أن الموقف إنتهى في ساعته.. ولو تعلمون.. إلى أي مدى امتد..
وماذا فعل..
طافت على مسمعي.. ذكريات الكلمات الغامضة التي قالتها لي والدتي في لقائي
الأخير لها قبل سفرها مع أبي إلى بيت الله.. إلى حيث لارجعة عندما كانت
توصيني برغد..
(" انتبه لرغد جيدا يابني".
" بالطبع أمي!")
أمي بدا المزيد من القلق جليا على وجهها وقالت:
("كنا سنؤجل حجنا للعام التالي لكن.. كتبه الله لنا هذا العام.. هكذا قضت
الظروف يابني")
وهذا زادني حيرة!
قالت("لو أن الظروف سارت على غير ذلك.. لكانت الأوضاع مختلفة الآن.. لكنه
قضاء الله يا ولدي.. سأدعوه في بيته العظيم بأن يعوضك خيرا مما فاتك..
فلنحمده على ما قسم وأعطى")
وقلت("الـــ.. حمدلله على كل شيء.. أمي أنت تلمحين لشيء معين؟؟")
فقالت:
("لم تتغير هي عما تركتها عليه قبل سنين.. كما لم تتغير أنت..")
ثم أضافت:
("إلا أن الظروف هي التي تغيرت.. وأصبح لكل منكما طريقه..").
وقد توهج وجهي منفعلا مع كلمات أمي والحقيقة الصارخة أمامي أنذاك..
ولم أستطع النبس ببنت شفة أمام نظراتها التي كشفت بواطن نفسي..
قالت:
("اعنت بها كما يعتن أي شقيق بشقيقته.. كما تعتني بدانة, وادع معي الله أن
يسعدهم هم الثلاثة, وأنت معهم").
آه يا أماه.. إنك لاتعلمين ماحصل بعد رحيلك.. لو تعلمين..!

في صباح اليوم التالي وفبل ذهابي إلى المستشفى التقيت بأروى صدفة في
المطبخ..
كانت هادئة جدا.. وتحضر بعض الطعام.. وكانت بعض الأطباق موضوعة على
المائدة.. ورائحة الخبز المحمص والقهوة تملآن المكان..
وقفت أراقب أروى خلسة عند الباب.. وأنا حائر.. أأدخل.. أم أنصرف..؟؟
هل سيزعجها مروري أم سترحب بي؟؟
بأي وجه أقابلها وأي كلام سأقول..؟ وأي موقف ستتخذ مني؟؟
وفيما أنا في حيرتي لمحتني أروى فجأة فارتاعت وأوقعت ما كان في يدها..
باشرت بالدخول وسرت نحوها والتقطت معها حبات الزيتون المبعثرة على الأرض وأنا
أقول:
"أنا آسف.. هل أفزعتك؟"
وهي ترد:
"فاجأتني".
وبعد فراغنا من جمع الحبات التهمت إحداها..
"طيبة المذاق".
قلت معلقا.. متحاشيا إطالة النظر في عينيها قدر الإمكان.. ومحاولا خلق جو
جديد يمحو آثار جو البارحة الممطر.. أو يلطفه..
قالت وهي تشير إلى طاولةالطعام, والتي وضعت عليها صحن الزيتون وبعض أطباق
الفطور الأخرى:
"تفضل".
بدا الطعام شهيا.. وذا رائحة طيبة.. تسيل اللعاب.. وارتحت لتجاوبها مع
الجو الجديد.. وقد أتناول شيئا من الفطور معها لإخماد الحريق.. ولو
مؤقتا..
نظرت بشكل عفوي إلى ساعة يدي.. لمعرفة الوقت تحديدا فما كان من أروى إلا أن
علقت بطريقة فاجأتني:
"أم أن المدللة الحبيبة تنتظرك؟"
اصطدمت نظراتنا وتعاركت معا.. ثم عادت نظراتي تجر أذيال الهزيمة إلى..
إذن.. النار مضرمة ومستمرة ولاسبيل لإطفائها بوجبة فطور..
ومع رد أروى الحاد لم أجرؤ على قول أكثر من:
"إلى اللقاء".
وسرت خارجا يلحقني صوتها وهي تقول:
"لاتنس موضوع السفر".