عرض مشاركة واحدة
قديم 26-01-2007, 10:58 AM   رقم المشاركة : 27
أشرف محمد كمال
( ود فعّال )
 
الصورة الرمزية أشرف محمد كمال
 






أشرف محمد كمال غير متصل

Icon9 الوجـوه الخــاوية (8)..الصعــود إلى الهــاوية

(8)
الصعــود إلى الهــاوية

أخذت تتأمل ملامح وجهها المنهك فى المرآة ..وتتحسس بأناملها تلك التجاعيد التى خطتها فرشاة الزمن أسفل عينيها.. وعلى وجنتيها.. و رقبتها..وهالها تلك الدوائر القاتمة ..حول عينيها المنطفئتين..وملامحها المبهمة الذابلة.. فانتفضت فى هلع تتحسس جسدها الممتلئ بنتوءات مترهلة.. وكأنها تشاهد نفسها لأول مرة أو تتطلع لواحدة أخرى أمامها..؟!
هى التى كانت ذات يوم .. جميلة الجميلات..وساحرة القلوب ..وخالبة الألباب..تحيط بها الأضواء والأقلام.. فى كل مكان تحط عليه ..وهى توزع ابتساماتها كالأميرات.. وتملأ صورها كل الجرائد والمجلات.. وتتحدث عنها.. كنجمة الإغراء الأولى فى مصر خاصة.. والوطن العربى كافة..!!مطلقة عليها لقب (مارلين مونرو الشرق).
وكانت تسعد بنظرات الأعجاب تلك.. التى تلتهمها إلتهاما..وتشعر بالثقة والخيلاء..فالكل يتسابقون من أجل ارضائها ..ويتهافتون من أجل امضائها.. أو تقبيل يديها .. والركوع امام قدميها كأحدى الملكات..؟!
نظرت مرة ثانية بحسرة وأسى إلى المرآة.. فأين ذاك الخصر النحيل والقد المياس والصدر النافر فى كبرياء.. والوجه الملائكى الخلاب..أين ذهب ذاك الماضى الجميل بكل أفراحة.. وتركها وحيدة تجتر أحزانها.. وذكرى تلك الأيام...هذه هى المرة الأولى منذ زمن لا تدريه التى تجالس فيه نفسها المنعكسة صورتها أمامها..وكأنها المرة الأولى التى ترى فيها ذاتها..!!
أخذت تتذكر بمزيج من الألم والندم.. كم عرفت من الرجال..وأمضت معهم لحظات من السعادة والفرح الآثمة.. وسقطت فى بحر الخطيئة الموحل ..- من أخمص قدميها حتى منبت شعرها- و كم عاشت من أزمنة رديئة..!!
أخذت تحاول تذكر عشرات الوجوه التى مرت بحياتها ..لكنها لم تستطع تحديد ملامحها..!!- ربما ضعفت ذاكرتها أيضاً - ومر شريط الذاكرة من أمامها رمادياً باهتاً..كما لو أنه فيلم ٌمحترق ٌ..أثر تعرضه للضوء .
الكل تركها الآن..؟! بعد أن استنشق رحيقها ..وامتص شبابها - حتى الثمالة- وبعد أن خبت جذوة جاذبيتها ..وانطفأ جمالها..وأصبحت الآن كماً مهملاً ..وعالة على الحياة.
...حاولت الإفلات من وجع الذاكرة فى داخلها المتيبس..والتخلص من ثقل الماضى.. وأشاحت بوجهها عن المرآة فى سرعة..كمحاولة للتأقلم مع واقعها الجديد..وحياة الوحدة والغربة والصمت.. بعدما كانت ملئ بالصخب والمتعة والأضواء.
...إلا أنها أكتشفت أنها تعيش فى ماضٍ.. بلا حاضر ..بلا نبوءات للمستقبل..يلفها صقيع الوحدة.. كشجرة سنديان عجوز يابسة..فى خريف العمر..تنتظر السقوط.
... انزوت داخل ذاتها واعتزلت العالم من حولها..فهى لم تعد تستطيع أن تواجههم بهذا الوجه الشائه وتلك النفس الخربة..كما أنها أصبحت تشمئز من ذاك الجسد الذى استشرى فيه العفن.
أخذت تتحرك فى داخلها مجهولات شتى.. وأحاسيس متضاربة..وقررت أن تستجيب للنداء الذى ألح عليها منذ فترة.. ولم يكن لديها الشجاعة لتلبيته..أرادت أن تحرق سنوات الإنتظار بداخلها.. وأن تنهى معاناتها بيديها.. فهناك أشياء كثيرة انتظرت حدوثها.. لكنها اندثرت تحت زمن عقيم.
...عندما كان الظلام المطبق على أنفاس المدينة يتلاشى .. والقمر مكتمل النور كالبدر.. شقشقت عصافير الفجر.. فأنستها وهدهدت أشباح خوفها فى تلك اللحظات الدقيقة المفعمة بالشجن.. ملأت رئتيها.. بنسيم حياة مختلف النكهة.. واستجمعت شجاعتها ..وتسلقت سور شرفتها..وتذوقت روحها طعم الحرية..لأول مرة ..وحلقت عالياً فى فضاءات الكون.. بينما سقط الجسد إلى الهاوية.






التوقيع :
اضغط على الصورة لفتحها بصفحة مستقلة


white heart